طالبان وسياسة المستحيل- رؤية جديدة للتعليم والحكم في أفغانستان

المؤلف: د. ياسين أقطاي08.19.2025
طالبان وسياسة المستحيل- رؤية جديدة للتعليم والحكم في أفغانستان

بمناسبة الذكرى السنوية الرابعة لخلاص أفغانستان الحقيقي من براثن الاحتلال الأجنبي، وطأت أقدامنا أرضها مرة أخرى، بعد غياب دام عامًا ونصف، مدفوعين بحافز خاص.

وبينما كانت سيارتنا تشق طريقها بصعوبة بالغة وسط الازدحام المروري العارم الذي يعم شوارع كابول، استرعى انتباهنا على الفور الغياب شبه التام لإشارات المرور. المركبات تندفع بتسرع شديد في مسارات متقاطعة، ثم تنحرف بشكل مفاجئ في اللحظة الأخيرة لتفادي الاصطدام المحقق، ثم تواصل سيرها وكأن شيئًا لم يكن.

إنه مشهد يستعصي على الاستيعاب بالنسبة لأولئك الذين اعتادوا على نظام المرور المنظم في دول مثل تركيا أو الدول الأوروبية، ولكنه هنا بمثابة "نظام كامن في الفوضى"، يسير بشكل عجيب وفعال.

لكن هذه الملاحظة العابرة قادتنا إلى اكتشاف معلومة أخرى؛ إذ علمنا أن "الإمارة الإسلامية"، التي تدير شؤون البلاد للمرة الثانية منذ أربع سنوات، قد سنت بالفعل قوانين لضبط حركة المرور، إلا أن هذه القوانين تخلو من أي غرامات مالية، وذلك لأن العقوبات المالية غير جائزة في الفقه الحنفي، والإمارة ملتزمة بهذا الحكم التزامًا راسخًا، ولا تريد فتح هذا الباب على الإطلاق. إنه لأمر يصعب فهمه بعقل متأثر بمقاييس العصر الحديث، حيث تُقاس الأمور دائمًا بمنطق المنفعة أو المصلحة أو العائد المادي.

بالنسبة لأولئك الذين اعتادوا على البحث عن النفعية أو حتى الفساد في كل قرار يُتخذ، سيكون من شبه المستحيل عليهم أن يستوعبوا كيف يمكن التضحية بمورد دخل كبير لمجرد أنه يتعارض مع قاعدة فقهية محددة.

وهذا، في الواقع، مثال حي على ما يمكن تسميته "سياسة المستحيل". فعندما صاغ وائل حلاق كتابه "الدولة المستحيلة: لماذا لا يمكن قيام دولة إسلامية في العصر الحديث"، جادل بأن قيام دولة تقوم على أسس أخلاقية سامية هو أمر ضرب من الخيال، ولكن حركة طالبان، في ظاهر ممارساتها، تسعى جاهدة لإثبات عكس ذلك تمامًا.

فالدولة الحديثة، بطبيعتها كما يرى حلاق، لا يمكن أن تكون دولة ملتزمة بالقيم الأخلاقية، ولا يمكن تمثيل الإسلام الحقيقي داخل هيكلها، إلا إذا تجاهلت مقاييس الحداثة وموازين القوى والنظام العالمي وأولوياته... وهذا هو بالضبط النهج الذي تتبعه حركة طالبان، فهي لا تلقي بالًا لأي من هذه الأمور.

خلال زيارتنا، لاحظنا في شخصيات الوزراء الذين التقيناهم، وفي أسلوبهم وفلسفتهم، سمات مشتركة واضحة: تواضع جم أمام المسلمين، وصلابة شديدة أمام الأعداء، وإصرار دائم على التأكيد بأن ما يهمهم في المقام الأول والأخير هو معايير الشريعة الإسلامية الغراء، فهي بمثابة خط أحمر لا يمكن تجاوزه أبدًا. ووفقًا لوجهة نظرهم، فإن السيادة المطلقة هي لله وحده، وشريعته فوق الجميع، ولا يحق لأحد، حتى لحركة طالبان نفسها، أن يستثني نفسه من أحكامها.

حتى وقت قريب، لم تعترف أي دولة بشكل رسمي بحكم طالبان، حتى بادرت روسيا بالاعتراف بها مؤخرًا. ومع ذلك، تربط الإمارة علاقات دبلوماسية وتجارية فعلية مع أكثر من مئة دولة.

يأمل المسؤولون في الإمارة أن يحذو حذو الاعتراف الروسي دول أخرى، لكن هذه التطلعات لا تجعلهم على استعداد للتنازل عن مواقفهم أو معتقداتهم أو التزاماتهم بالشريعة الإسلامية والقيم الأخلاقية. ومن أبرز القضايا التي واجهوا بسببها انتقادات واسعة النطاق: قضية عدم السماح للفتيات بمواصلة تعليمهن في المدارس الثانوية والجامعات.

في إحدى الأمسيات، التقينا بوزير التعليم، المولوي حبيب الله آغا، على مائدة عشاء أقيمت على سطح مدرسة دينية متواضعة، يمتلكها ابن أخيه، وهو أحد قادة حركة طالبان، وتضم بين جنباتها المئات من الطلاب. حضر الوزير دون أي مظاهر رسمية أو حراسة ملفتة للنظر، وجلس بين الحاضرين بكل بساطة وتواضع، ثم بدأ، دون أن يسأله أحد، في شرح الواقع التعليمي الحالي: الملايين من الطلاب، ذكورًا وإناثًا، يتلقون التعليم الأساسي حتى الصف السادس، وبعد ذلك تواصل الفتيات دراستهن في العلوم الشرعية حتى الصف الثاني عشر، ويشمل ذلك الملايين من الطالبات. ثم أضاف أن هناك خططًا شبه جاهزة لإطلاق برامج جديدة تتيح لهن الالتحاق بالتعليم الجامعي، وسيتم الإعلان عنها قريبًا.

أوضح الوزير أن المناهج الدراسية السابقة، التي كانت سائدة خلال فترة الاحتلال، قد خرجت أجيالًا تفكر بعقلية "مستعمَرة"، أما اليوم فهم على وشك الانتهاء من إعداد مناهج جديدة تراعي واقع "أفغانستان الحرة"، مشيرًا إلى أنه على استعداد لتلقي أسئلة الحاضرين.

في مداخلتي، أعربت أولًا عن تقديري العميق لنضالهم الطويل الذي استمر لخمسين عامًا ضد قوى الاحتلال الكبرى، والذي انتهى بإجبارها على الرحيل، وهو ما يستحق كل الاحترام والتقدير. ثم عرضت رأيًا قد يكون مفيدًا في تطوير المسيرة التعليمية: لا ينبغي حصر الطالب، ذكرًا كان أو أنثى، بين خيارين متناقضين هما "التعليم الديني" و"التعليم الحديث"، بل يمكن الجمع بينهما في بوتقة واحدة.

واستشهدت بتجربة مدارس "الإمام والخطيب" في تركيا، التي، على الرغم من وجود بعض العيوب، نجحت في مزج العلوم الحديثة بالعلوم الإسلامية، مما منحها طابعًا إسلاميًا عامًا. وأشرت إلى أن اقتصار تعليم الفتيات على العلوم الشرعية بعد الصف السادس قد يجعلهن غير مؤهلات بما يكفي للالتحاق بالجامعة إذا ما فُتح بابها لهن في المستقبل، وهو ما قد يتسبب لهن في حرمان أو ظلم.

أصغى الوزير باهتمام بالغ، ورد بعبارات لافتة للنظر: "نحن اليوم نحتكم إلى العلماء الأجلاء الذين جعلوا العلم محور حياتهم، فكيف لنا أن نرضى بالجهل للنساء أو لغيرهن؟ وكيف يمكن أن نمنع تعليمهن؟ كل ما نقوم به الآن هو مجرد إعداد وتجهيز.

إننا نعمل جاهدين على وضع نظام يمكّن الفتيات من مواصلة تعليمهن، فنحن نريد أن نُعلِّمهم ليكونوا دائمًا على أهبة الاستعداد لمواجهة تحديات الحياة والانتصار في معاركها، كما أننا نصغي باهتمام بالغ لنصائح إخواننا المسلمين في جميع أنحاء العالم، ونسعى للاستفادة منها. إن نموذج الإمام والخطيب الذي ذكرتموه هو نموذج جدير بالاهتمام، وقد سمعنا به من قبل، فإذا تفضلتم بتزويدنا بمناهجه، فسوف نقوم بدراسته وتحليله بعناية فائقة للاستفادة منه".

كان جوابه باعثًا على السرور العميق ومثيرًا للتأمل، إذ يحمل في طياته نبرة تتناقض بشكل صارخ مع الصورة النمطية التي رُسمت لحركة طالبان لسنوات طويلة فيما يتعلق بتعليم الفتيات. وربما، من خلال تبني هذا التوجه، نكون على أعتاب بداية حل لإحدى أبرز الذرائع التي استُغلت لعزل أفغانستان عن العالم.

ومع ذلك، يجب التنبيه إلى أن الإمارة الإسلامية لا تتعامل مع هذا الملف استجابة لمطالب الغرب، بل وفقًا لرؤيتها الخاصة والتزامها بمقتضيات الشريعة الإسلامية السمحة وحدها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة